إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإنَّ الاستغفار هو بداية العبد ونهايته، وأول منازل العبودية، وأوسطها، وآخرها، ولهذا كان قوام الدين بالتوحيد والاستغفار، كما قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 1-3].
وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا} [الكهف: 55].
فانظر كيف قرن الله تعالى بين الإيمان والاستغفار في هذه الآية التي خاطب بها كفار مكة، والذين ما منعهم من الإيمان ونبذ الشرك ومن الاستغفار مما سلف من ذنوبهم، إلا تقدير الله إتيانهم ما جرت به سُنته في الأمم المكذبة السابقة من الهلاك الدنيوي أو العذاب الأخروي، أو إرادته سبحانه وتعالى ذلك بناء على علمه السابق من سوء حالهم وخُبث نفوسهم.
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الرجل مسلمًا علَّمه أن يقول: «اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني».
والعبد دائمًا بين نعمة من الله يحتاج فيها إلى شكر، وذنب منه يحتاج فيه إلى استغفار، وكلاهما من الأمور اللازمة للعبد دائمًا، فلو نظرت في جنس الإنسان لرأيت أنه لا يزال يتقلَّب في نِعم الله تعالى التي لا تُحصى، ولا يزال محتاجًا على التوبة والاستغفار لكونه خطَّاءً، وخير الخطائين التوابون.
فعـن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم». وفي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: «... يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم...» فهذا دليل على أنَّ الأصل في جنس الإنسان الجنوح إلى الخطيئة والذنب، وأنه مأمور بالتوبة والاستغفار لمحو الذنب والخطيئة.
قال ابن رجب: "... هذا يقتضي أنَّ جميع الخلق مُفتقِرون إلى الله تعالى في جلب صالحهم، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم، وأنَّ العباد لا يملكون لأنفسهم شيئًا من ذلك كلِّه، وأنَّ من لم يتفضَّل الله عليه بالهدى والرزق فإنه يحرمهما في الدنيا، ومن لم يتفضَّل عليه بمغفرة ذنوبه أوبقتهُ خطاياه في الآخرة ".
ومن فضله سبحانه وعظيم كرمه وكبير منته أن سهًّل على عباده الخروج من الذنب، فليس في شريعتنا ذنب على عباده الخروج من الذنب، فليس في شريعتنــا ذنب إذا فعله الإنسان لا يمكن الخروج منه إلا بمشقة عظيمة أو حرج شديد، بل إنَّ الأمر يسير لمن يسَّره الله عليه، فالله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسـيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه يفرح بتوبة عبده وأوبته {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135].
فلله الحمد أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.
ولقد يسَّر الله تعالى أمر الاستغفار للعباد، فبمقدور كلِّ عبدٍ الإتيان به في جميع أحواله وأوقاته: في ليله ونهاره، وفي خلوته وجلوته، وفي صحته ومرضه، وفي ظعنه وإقامته، وفي قيامه وقعوده، وهو طاهر ومحدث، لا عذر للمرء في التكاسل عنه بوجهٍ من الوجوه.
والمتأمِّل في باب الاستغفار يجده مُتشعِّبًا وواسعًا، لا يقتصر الإتيان به على التخلُّص من تبعة الذنب فقط، بل إنه يدخل في كثيرٍ من العبادات والأعمال والتروك، وله أحكام كثيرة يغفل عنها الكثير، وهذا ما سأوضح بعضه في هذه الرسالة المختصرة بتوفيق الله تعالى.
والله أسأل أن ينفع بها، وأن يدَّخرها لي، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
المقدمة
فصل: تعريف الاستغفار
فصل: حكم الاستغفار
فصل: حاجة العبد إلى الاستغفار
فصل: فضل الاستغفار
فصل: ما هو الاستغفار المطلوب؟
فصل: من أي شيء يكون الاستغفار؟
فصل: صيغ الاستغفار
فصل: أنواع الاستغفار
فصل: في الاستغفار في العبادات
فصل: الاستغفار للغير
فصل: الاستغفار في بعض الأزمان والأوقات والأماكن
فصل: الاستغفار بعد الذنوب
فصل: ثمرات الاستغفار وآثاره
This version of الاستغفار فضله أقسامه أحكامه آ Android App comes with one universal variant which will work on all the Android devices.
If you are looking to download other versions of الاستغفار فضله أقسامه أحكامه آ Android App, We have 1 version in our database. Please select one of them below to download.